منذ أن وضعت الحرب أوزارها وتضررنا اقتصادياً أصبح معظمنا يعمل في مجالات تجنبه الجوع وبرد الشتاء، فهناك من يبحث في حاوية قمامة عن قطعة بلاستيك أو نحاس، يبيعها ليشتري بثمنها ربطة خبز، وهناك من ارتضى لنفسه حمل حقائب المسافرين على أبواب مراكز الانطلاق من أجل 200 ليرة، طبعاً هناك الكثير.
ولأن العمل ليس عيباً ولا ينتقص من قدر أحد، ومع وجود أشخاص عاجزين عن اجتراح الحلول المناسبة لجميع مشكلاتنا المعيشية، وباعتبار أننا انتظرنا تسع سنوات ولسنا مستعدين للانتظار أكثر، فضل معظمنا أعمالاً مجهدة ومرهقة وتسبب أمراضاً مزمنة لكنها مدرة للربح، على عطاءات يخطط لها أصحاب الشأن ووعود لا تتحقق.
آخر الوعود أن مادة الغاز ستتوفر، وإن يكن، لماذا ننتظر وبإمكاننا شراء أسطوانة غاز بسعر 7300 ليرة وصفيحة البنزين بـ8500 ليرة والمازوت بـ8000 ليرة أيضاً، ولا أحد يستغرب توافر هذه المواد الأساسية على الطرقات العامة وشحها لدى المؤسسة الرسمية المعنية بتأمينها للناس، لأن مجرد التفكير في هذا الأمر قد يجلب لنا مشكلات لن تجد لها مكاناً في رؤوسنا المثقلة بالمتاعب والهموم، ولماذا نفكر، ولماذا نشتكي على هؤلاء الذين يؤمنون لنا كل ما نحتاجه من المشتقات، حتى وإن كانت بأسعار مضاعفة؟.
وبمناسبة الحديث عمن لا يجدون مشقة في تأمين بعض السلع الأساسية في حياتنا وبلا وعود أيضاً، وعمن يقطعون الوعود بالجملة لتأمينها ويضعون عشرات التبريرات لتقصيرهم، أرى أنه من الضروري تشجيع هؤلاء وكف اليد عنهم، هذا إن كان هناك من يراقبهم، بل يجب تكريمهم وتأمين حمايتهم بأي شكل من الأشكال، وهنا لابد لأجهزة حماية المستهلك أن تبحث عن عمل آخر لها، فهي بملاحقتها هؤلاء تسبب الضرر للناس، فدور هذه الأجهزة يبدأ عندما تستطيع المؤسسة المعنية تأمين ما يحتاجه المواطن من ضرورات ومسببات المعيشة الكريمة.
وللتذكير فقط، لماذا لا تلاحقون من جمع المليارات على حساب الناس بدلاً من ملاحقة بائع غاز..؟