ليست المرة الأولى التي يفرغ فيها الكثيرون من التجار زيادة الرواتب من مضمونها، فقد اعتدنا على تكرار هذا المسلسل القاسي وسط ضجيج إعلامي بالردع والعقاب، من دون «تفتق قريحة أهل الكراسي» عن طريقة تمنع هذه السرقة الموصوفة إن صح التعبير، عبر الحفاظ على مؤشر الأسعار ثابتاً من دون تحريكه حسب قوانين جيوب حيتان السوق تجنباً لخضة جديدة في معيشة المواطن المأزومة.
شفط معظم التجار لأي زيادة رواتب ليس «حربقة» أو «فهلوية»، لكنهم وجدوا الطريق معبداً أمام تعبئة جيوبهم على البارد المستريح، فكما يقول المثل «يا فرعون مين فرعنك»، واقع يثبته غياب الرقابة التموينية الواضح وضعف أدواتها بحيث لم يعد ينفع تهديد أو وعيد أو حملات غالباً ما تسقط في فخ الــ«لا نتائج» من جراء اتباع سياسة ناعمة في قمع تجاوزات المخالفين المتزايدة التي كانت لا تتعدى غرامتها دفع مبلغ 25 ألف ليرة، وإن حدث تطور نوعي حالياً بعد رفع العقوبة إلى إغلاق المحال، وهنا نتساءل عن مصير قانون حماية المستهلك وأسباب التأخير في إصداره وتطبيق المخالفات المقرة في مواده، وهل يفترض أن تشهد الأسواق أزمات أشد حتى يبادر المعنيون إلى طريقة مختلفة في إدارة شؤون السوق وقوانينه وتطبيقها على التجار كافة بلا «خيار وفقوس».
«كركبة» الأسواق والركود الحاصل بفعل الدولار الملعون وجشع التجار، لن تضبطها رقابة تموينية بعد حالة تسيب عمرها سنوات إلا باستنفار جدّي من كافة الجهات مدعوماً بتعاون المواطن ودفاعه عن حقوقه ضد التجار المستغلين، لتبقى وصفة العلاج المضمونة والمغيبة في التوجه نحو دعم الإنتاج الزراعي والصناعي لمد السوق بمنتجات مقبولة سعراً وجودةً وتصديرها لاحقاً على نحو يضمن تدريجياً تقوية الليرة واستقرار الأسواق ودعم جيوب المواطن، وهو ما يتم التغاضي عنه مع العمل للأسف على تحويل سورية إلى بلد مستورد وتقوية التجار على حساب المنتجين، ما يمكنهم من التحكم بلقمة عيش المواطن مع «شفط» خيرات اقتصادنا وليس «الزودة» المرحومة فقط.