لم يستثنَ الفساد من إطلاق حملة خاصة لمكافحته، بعد وصول معدلاته إلى نسب عالية أدخلت مؤسسات عامة عديدة في نفق الخسارة، إلا أن مفاعيل هذه الحملة كانت للأسف غير كافية مع أن المواطنين كانوا بانتظار سماع أخبار دسمة عن استعادة أموال الفاسدين لعل جيوبهم تنتعش قليلاً عند عكسها على معيشتهم المتردية.
حملة من «أين لك هذا»، تبخرت كسابقاتها كما هو متوقع، على نحو ترك الساحة «فاضية» للفاسدين يسرحون ويمرحون بلا مراقبة أو محاسبة رغم تعدد الجهات المسؤولة عن مكافحة الفساد وكثرت ملفاتها، لكن ذلك على ما يبدو لم يكن كافياً لتغير الطريقة المعتادة في «القصاص»، بدليل ترك المشكلة عالقة والتوجه نحو إعداد مشروع قانون آخر حمل اسم الإفصاح عن الذمم المالية، هو أشبه بقانون «الكسب غير المشروع» الذي أقر منذ سنوات من دون تبلور نتائج فعلية في ميدان محاسبة الفاسدين وكشف حساباتهم المصرفية قبل تسلم المنصب وبعده، ما يدلل على نحو قطعي على أن مكافحة الفساد تتطلب قراراً جدياً بقطع رؤوسه الكبيرة والصغيرة في ظل وجود بيئة تشريعية مناسبة مدعومة بهيئات مختصصة أتخمت أدرجها بملفات ثقيلة ترصد تجاوزات ومخالفات موظفي القطاع العام بمختلف درجاتهم الوظيفية.
كبح شهوة الفاسدين النهمة للكسب غير المشروع قد يتحقق عبر بوابة القوانين إن وجدت طريقها للتنفيذ وبقيت بعيدة عن استغلال ثغراتها، لكن المعالجة الأنجع على المدى المنظور تكون في المحاسبة العلنية لكبار الفاسدين وفتح ملفاتهم على المكشوف أمام الرأي العام ليكونوا عبرة لغيرهم، أما التغاضي عن تجاوزاتهم بحق المواطن والخزينة فهو أشبه بضوء أخضر للاستمرار في ارتكاب المحظورات غير مكترثين بسلطة القانون وقوته مادامت هناك مظلة حمائية تسير شؤونهم «من فوق الأساطيح» وفق قوانينهم الخاصة.
rihabalebrahim@yahoo.com