السياسةُ كما الأرض (كرويةٌ)
لبرهنة كروية الأرض هناك الكثير من المناقشات والبراهين غير المعقّدة، التي لا تحتاج فيزيائيين، وهناك أيضاً مناقشات تقنية، ولطالما كانت البراهين البسيطة هي الأفضل، فالعاقل أقصى ما يمكن لنطاق بصره أن يراه هو الأفق، وسقوط تفاحة على رأس نيوتن برهن أيضاً -بفعل الجاذبية- أن الأرض كرويةٌ… كذلك السياسة لا يمكن أن تكون منبسطةً دائماً، فالمصالح والقدرة والاستطاعة والفعل ورد الفعل هي البرهان الأكبر على كرويتها، وظهور قوى سياسية متلألئة في وضح النهار، يماثله بهتان قوى أخرى في منتصف ليل سياسي في آنٍ معاً.
ظهرت في الحرب على سورية مئات الأطراف التي اجتمعت تحت قيادة أمريكية لتفكيك سورية بأهداف واضحة وتكتيكات وخطط ومصالح وأموال ومرتزقة.. هذه الأدوات لا تعدُّ ولا تُحصى، إلا أن الصدمة كانت في حساب رياضي ما بين ضرب الزمن بمختلف العملات الأجنبية -وعلى رأسها الدولار- والإقليمية المشاركة في الحرب على سورية، ليكون الناتج خسارةً ماديةً وإعلاميةً لكل الأطراف الطامعة بأرض تاريخية تؤطّرها الجغرافيا السيادية، وليكون المخْرَج إعلاناً أمريكياً بأن سورية «أرض رمال وموت»، فالنظريات الأمريكية الحديثة قائمة على مبدأ «الحروب من دون خسائر».
فالحرب على سورية لها جذور بنيوية وهناك تنافسٌ دوليٌ على «سَمْت حضورها»، برئاسة أمريكية صهيونية، إلا أن الرؤية الأمريكية لم تكن تتوقع بأن الحرب ستستمر كل هذه السنوات، وتلاقي المصالح الدولية والإقليمية في البداية أفضى في النهاية إلى الاختلاف، وعدم تحقيق النتائج أدّى إلى الخسارة، لأنه مع الوقت اتسعت الرؤية التي كانت تلمُّ شمل «العصبة» المشاركة في الحرب على سورية لتظهر الأهداف الشخصية.
وكما وصف الرئيس بشار الأسد الحرب على سورية بأنها «فصول لمسرحية أعدّتها ونفّذتها جهة واحدة، لكن في كلّ فصل كان هناك بطلٌ أو ممثلٌ مختلف».
إنها نظرية الألعاب، فبمجرد خسارة لاعب لابد من أن يربح لاعبون.. ربحٌ طوبايٌّ لن يستطيعوا تحقيقه؛ يتداوله اللاعبون كما الزوايا المتبادلة بالرأس، فالسياسة وقواها (كروية)، لأن النقطة الفاصلة هي الميدان، ولا أردوغان ولا حتى ترامب قادران على تحقيق مخططاتهما في ظل القيادة الذكية لسورية ومساندة الحلفاء وبسالة الجيش العربي السوري الذي يحقق سرعةً في الانتشار والتمركز، حسب أولويات تحددها- في كل مرحلة- التطورات عامةً.
تحرّكات كانت دائماً كفيلةً بحرف المسارات السياسية والعسكرية في المنطقة، لتكون حرباً ذات طابع مفصلي، يؤكد أن لسورية موقع المشارك في بنية النظام العالمي الجديد.
وكروية السياسة برهنت أن الأفق الجيو-سياسي، الذي يمكن أن يبصره الجميع، أفقٌ سوريٌ بامتياز، وما أخبار زيارة الرئيس بشار الأسد إلى ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي إلا بمنزلة التفاحة التي هوت على رؤوس مشغّلي الحرب على سورية، فهو الحاضر بشجاعةٍ وبسالة حتى في جبهات المعارك التي في تماسٍّ مباشر مع العمليات الساخنة ليكون بين جنوده، وضربات المدافع تقضُّ مضجع الأعداء وتعلن أن التحرير قادمٌ لكل شبرٍ من أراضي الوطن سورية.