سورية مابينَ حربينِ
تُعرّف الحرب, لغةً, كما ورد في معجم «المعاني الجامع» بأنّها قتال بين فئتين، وجمعها «حُروب», وعكسها «سِلْم».
وبينما كانت الحرب مفهوماً يُغري الباحثين في الشؤون الدولية والسياسية وعلم الاجتماع لدراسته, فإنها كانت أيضاً تحت لحظ واهتمام الفلاسفة والمثقفين.
فالحرب, ظاهرة تاريخية وغريزة متأصلة في النفس البشرية, حسب تحليل الفلاسفة, بينما يعدّها علماء القانون الدولي نزاعاً مسلحاً بين فريقين من دولتين مختلفتين، وهي «نتيجةٌ حاسمة للخلافات الدولية المرتبطة بالكيانات الاقتصادية والاجتماعية للدول التي تعلن الحرب عن طريق الإجبار والقتال».
وسورية مابين الحربين، حرب تشرين 1973 التحريرية والتصدي للحرب الإرهابية اليوم التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً, جسدت تماماً التطبيق العملي لمفهوم الحرب الذي استطاعت به تحقيق مقولة «هيغل» واقتناص اللحظة الأخلاقية من الحرب، إذ لجأت الدولة السورية إليها مدفوعةً من مبدأ سامٍ، ألا وهو الدفاع عن سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها.
في حرب تشرين التحريرية، في سبعينيات القرن الماضي, كان العدو واضحَ المعالم والسمت, والحرب معه تمّت في ساعة «الصفر» والربح فيها كان لمن ينتهج حقّ الدفاع عن السيادة والتصدي للكيان المحتل.. حرب توّحد فيها معظم العرب، وتنوعت مشاركتهم، عسكرياً، واقتصادياً، أو بموقف وقرار سيادي، وكان لتوحدهم نتائج عظيمة هزّت العالم أجمع، وأعلنوا من عقر دارهم العربية أن زمام المبادرة انتزع تماماً من يد العدو الاسرائيلي الذي كانت الحرب كابوساً قضّ مضجعه وعاراً وخزياً عليه، ولتظهر من ثمة علامات الاستفهام والتعجب من على ألسنة الغرب:
«هل تكون محاولة الإنسان العودة إلى بيته اعتداءً غير متوقع»
(وزير خارجية فرنسا جوبيير)
حرب تشرين التحريرية التي أظهرت للعالم أجمع أن بإمكان العرب توسيع مساحة النضال السياسي والمسلّح بأشكاله كلها، وأثبتت كفاءة الجندي العربي وقدرته على استخدام أحدث الأسلحة إلى حدّ تفوقه على عدوه الصهيوني.. تفوّقاً جعل العالم الغربي المحتضن جريمة قيام الكيان الصهيوني يتخوّف، ويتحضّر لمرحلة مابعد حرب تشرين التحريرية، ويحاول جاهداً التغلّب على العقيدة العروبية، فظهرت الحروب اللاحقة فيما بعد وإفرازاتها المتمثّلة فيما يسمى «الربيع العربي»، مع استخدامهم كل أنواع التكتيك والتخطيط والاستثمارٍ «للقوة الناعمة» لخلق شرخٍ في البيت العربي واستسهال فكرة التطبيع لدول باتت حاضنةً وقابلةً لحضور الكيان الصهيوني على الأرض العربية وتجنيد القوى الغربية إعلاماً إقليمياً يساهم في الحروب العربية ويزيدها اتقاداً مع عدم نسيان دور الغرب في تمويلها وتسليحها أيضاً.
مابين حربين، كانت، ومازالت سورية نبض العروبة الثابت في نهجها وتوحيد جبهاتها ضد عدو واحد هو الكيان الصهيوني وهي المؤمنة بأحقية الدفاع عن سيادتها المصون بقانون دولي ضد كل مايهدّد سلمها وأمنها وأمانها.