قواعدٌ يُعمَلُ بمقتضاها
يعدّ الدستور الوثيقة الرسمية التي تحتوي على القانون الأساس الأعلى للدولة (قانون داخل الدولة ذات السيادة)، وفيه مبادئ دستورية تتسم بطابع السمو (الشكليّ والموضوعيّ)، وتعدّ منظمة الأمم المتحدة، بمبادئ ميثاقها، وأحكام قانونها، من المرتكزات الأساسية لقيامه وتحقيق السيادة الوطنية وتثبيتها كعنصرٍ بالغ الأهميّة في مجال سيادة القانون.
مناسبة هذا التعريف المختصر للدستور، هي الإعلانُ عن تشكيل لجنة مناقشة الدستور السوري الحالي -رغم الضغوطات الخارجية لعرقلة تشكيل هذه اللجنة بهدف إطالة أمد الأزمة في سورية- وللتأكيد على أن عملية صياغة وتدوين أي دستور هي شأن سياديٌّ بحت أقرّه وكفله ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وكلّ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
لكنّ التعريف الأبلغ للدستور الذي من الممكن أن يلمّ شمل السياسة العامة للدولة السورية يتمثّل في أنه «قاعدة يُعمّل بمقتضاها».. وفي حين صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأن: «تشكيل لجنة دستورية يتولّى السوريون أنفسهم تنظيمها وقيادتها يمكن أن يشكّل بدايةَ الطريق السياسي نحو الحلّ»، قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمجاراته، إذ تعتقد أن تشكيل لجنة مناقشة الدستور يعدّ بمنزلة فرصة أمام تقدّم العملية السياسيّة.
ومع تعاوننا التامّ مع المبعوث الأممي غير بيدرسون، ثمة استفهامٌ كبيرٌ يدور حول مخرجات خطوة كهذه طال انتظارها، وثمة مراقبة فيما إذا كانت هذه العملية ستتعرض لمحاولات تدخّل وضغوط وإملاءات من القوى الغربية.
فالشعب السوري هو الوحيد الذي له الحقّ في قيادة العملية الدستورية في بلاده، وهو الوحيد الذي يقرّر مستقبله من دون تدخّل، أو ضغوطات يمكن أن تعرقل التقدّم السياسي اللافت الذي ساهمت في تحقيقه الدولة السورية مع انحياز تام إلى الحلّ السياسي دائماً، وما اقتصر هذا التقدم السياسي أبداً، ومنذ بداية الحرب التي قادتها أمريكا ودول الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية، على (إعلان اللجنة الدستورية).
فكانت هناك الإجراءات الدستورية والقانونية والتنفيذية، وكانت هناك عمليات المصالحة المحلية وإقرار الدستور الجديد عام 2012، ومشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل، ومراسيم العفو الرئاسية..إلخ، وما تشكيل اللجنة الدستورية إلا استمرارٌ لنهج الدولة السورية التي سعت، ومازالت تسعى لتفعيل الحراك السياسي عبر حوارٍ سوري- سوري خالص من دون ضغوط خارجية، ولما كانت سورية لا تلين أو تنثني، حيث تنبغي الشدة والحزم فيما يتعلق بسيادتها، فلم تتنازل عن فرض رؤيتها فيما يتعلق بتشكيل اللجنة، وآليات وإجراءات عملها، وعلى الأمم المتحدة تقديم الدعم السياسيّ والاستراتيجي لها، وتسيير عمل أطرافها لتحقيق «نبوءة» غوتيريس على نحوٍ يضمن تحقيق التقدم المنشود في العملية السياسية على طريق إنهاء الأزمة في سورية وعودة الأمن والاستقرار إليها.
أما الجزء المتمم في استراتيجية النصر فمازال مستمراً عبر العمل العسكري الميداني الذي لم يقلل من أهميته النجاحُ على المسار السياسي، والذي لن يتوقّف حتى تحرير آخر شبر من الأراضي السورية، ودحر المحتل وأدواته وأذرعه، في إطار مكافحة الإرهاب بكل أشكاله والتخلص من كل قوة أجنبية موجودة على نحو غير شرعي فيها.
فلكلّ حركة سياسية أو عسكرية (مقتضاها)، وقواعد وإجراءات تليق بتضحيات الشعب السوري ودماء شهدائه وصموده، والحرب لم تنتهِ بعد رغم خيبات الأمل التي مُني بها صُنّاع الأزمة من دول دائمة العضوية في مجلس الأمن في انتهاك سافر لمبادئ القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، لكن مشروعهم الاستعماري باء بالفشل، وسينتهي دائماً بالفشل، إن استمرّت أمريكا والدول الغربية في هيمنتها على منظمة الأمم المتحدة وتحويلها إلى أداة لتحقيق مصالحها السياسية، ومَنْ تلاعب بمبادئ الميثاق لتسويغ الحرب الإرهابية على سورية نأمل ألا يمارس النهج ذاته في القادم من الأيام، فسورية لا تقبل الإملاءات، أو التدخّل في الشأن السيادي، وإن كان ثمة حلّ سياسيّ فليكن حلاً قابلاً للحياة، يلبي تطلّعات الشعب السوري المؤمن بمؤسسته العسكرية وقيادته الحكيمة وسياساتها التي تعمل بمقتضى الساعة الرملية السورية التي أوشكت على إعلان النصر التام.