طبّاخُ السمِّ

شهدت العلاقات الدولية وتفاعلاتها على الصعد كلها؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية، وحتى الاجتماعية والثقافية على الساحة الدولية، تطورات جديدةً ومتغيرات جذريةً، كان السبب الرئيس وراءها هو تكنولوجيا المعلومات ونظم الاتصالات، بأهمية حضورها وتداعيات تطبيقاتها العملية والعلمية، ومن الطبيعي أن يتزامن حلول أي ثورة علمية مع نيات استقطاب الولايات المتحدة الأمريكية الشرهة لاستغلال كل ما هو خير وتحويله إلى مخرج شرّ يخدم مصالحها، فكانت الدراسات والتحليلات والمعاهد المتخصصة متزامنةً مع حلول ثورة الاتصالات لتحقيق ما أمكن من سياسة واشنطن الرامية إلى خدمة مشاريعها التوسعية واستغلال الشعوب والتدخل في شؤونهم الداخلية.
يُذكر أن «كولت» عندما اخترع المسدس قال:
«الآن يتساوى القويُّ والجبان».
ومن رحم التطوّر في عالم التكنولوجيا والاتصالات ولدت مشاريع سلام وإرهاب بمخاض واحد.. لتسخّر الدول الغربية، بزعامة أمريكا، قواها الإعلامية والتكنولوجية لخلق وسط سياسي يخدم مصالحها، ويهيئ الظروف لاحتضان وتبنّي كل ما تنثره من بذار في أتمّ الاستعداد للنمو وتحقيق الأجندات الاستعمارية من دون أيّ خسائر تُذكر.. وكان الفضاء الإلكتروني أهمّ تربة سياسية تلبّي الطموح التوسعي الافتراضي، إذ يصير من خلاله الإرهاب سلاحاً سياسياً موجهاً يهدّد السلم والأمن الدوليين مادام مشغّلوه قد جنّدوا فيه الجماعات المتطرفة لتكون حاضرةً في عالم «السوشيل ميديا».
مجموعة «غوست داتا» المتخصصة في تحليل المعلومات، أعلنت سنة 2017 عن وجود ما يفوق خمسين ألف حساب على «أنستغرام»، تابع لأعضاء تنظيم «داعش» الإرهابي.
وقبل ذلك.. كرّست «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»، ومؤسسة «فريدوم هاس»، وغيرهما من مؤسسات البحث والدراسات الاستراتيجية، تقنيّاتها الإلكترونية لغسل أدمغة الشباب بالقيام أولاً بعمليات البحث عن تلك الفئات الشبابية المتعطّشة للعنف، ومن ثم تأطيرهم وتدريبهم وتوجيههم وتمويلهم أيضاً ليكونوا فيما بعد اللبنة المساعدة لحضور التنظيمات الإرهابية في الفضاء الإلكتروني، لأنها تعي حجم التأثير الذي باتت تشغله الفضاءات الإلكترونية، وقدرتها على إنشاء فيالق من الجنود الافتراضيين، ومن ثم شحنهم وتجنيدهم ليكونوا قتلى وإرهابيين على أرض الواقع، بقوة دعائية وضخامة حضور على الشبكة العنكبوتية، وتسخير تطبيقات «الويب» والمواقع الإلكترونية لإنشاء روابط تواصلية سريعة وذات فاعلية لأكبر قاعدة من الولاة والأتباع لهم، ومن مختلف الثقافات.
فالانفتاح الموجّه الذي وفّرته شبكة «الإنترنت» ساهم في حضور المجموعات المتطرِّفة والتنظيمات الإرهابية، لا، بل تمّ فيها استغلال المنصّات «تويتر– فيسبوك– تيليغرام..»، التي يتم من خلالها التجنيد والتحريض ونشر مئات المحتويات الإعلامية «دعاية- مجلات- بيانات إعلامية- نشرات إذاعية- فيديوهات – صور..»، وقد كان لتنظيم «داعش» في ذروة حربه الإلكترونية وكالات إخبارية تمّ من خلالها نشر دعايته، وكالات بكل ما تعنيه الكلمة من تقنيات وأدمغة مشغلة، جلّها غربية وأمريكية تساعدها بالتقنيات والكاميرا الحديثة وتصوير الفيديوهات بطريقة هوليوودية.
فلِمَ الادعاءات الكاذبة بمحاربة «داعش» و«النصرة» وهي الموزع الأساس والحصري لسلاح الحرب الإلكترونية، وتتجاهل فكرة الردع في الحفاظ على الأمن والسلم الدولي بالسماح لهم بالوجود على مواقع شبكة الإنترنت؟!!
ما حصل في سورية أكبر دليل على الحرب الضالة والمضلِّلة التي تمّ فيها استغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واحتضان القنوات الفضائية التكفيرية من قبل بعض الدول الإقليمية والغربية في انتهاك سافر لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وقد حان الوقت لـ«أدلجة» التطوّرات التقنية لتكون منتج سلمٍ، لأن تجارب الشعوب تشي بأن «طبّاخ السمّ لابدّ سيتذوقه»..

m.albairak@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار