قرأنا مؤخراً التقرير الذي رصد المتوسط السنوي لدخل الفرد في 181 دولة عربية وأجنبية، وفي الحقيقة لم نُفاجأ بالمرتبة الأخيرة التي تربع عليها دخل المواطن السوري بمتوسط دخل أقل من 500 دولار.
وفي الحقيقة لم نهتم بذلك التقرير وغيره من الدراسات والتحليلات الاقتصادية المحلية التي فضحت المستوى المعيشي المتدني للمواطن، بل شعرنا بالخجل ونحن نرى غيرنا من الدول الأخرى تتسابق لرفع مستوى معيشة مواطنيها، بينما تدني مستوى الرواتب يُشعِر أكثر من 1.5 مليون موظف يعملون في مؤسساتنا الرسمية باستياء.
والسؤال: ألا يسأل المسؤول نفسه كيف يمكن أن يعيش هؤلاء بتلك الرواتب المتدنية، ومن أين يتدبرون أسباب معيشتهم، إذا كانت أحدث التصريحات الرسمية تؤكد أن شراء لباس مدرسي لثلاثة تلاميذ في الأسرة الواحدة يُكلف 30 ألف ليرة، وهناك موظفون لا يتجاوز الراتب الشهري للواحد منهم 25 ألف ليرة…؟
إن انخفاض معدل الرواتب للوظائف الحكومية ساهم في انتشار الجريمة الاقتصادية، كالرشوة والاختلاس والسرقة من خزائن المؤسسات، بل أدى إلى ظهور ما يُسمى «الموظف السمسار» المعروف بتركه مهامه خلال أوقات الدوام الرسمي والانشغال بتسيير معاملات المواطنين مقابل أجر يعادل ضعفي مرتبه للمعاملة الواحدة، ويأتي ذلك المعني أو المسؤول ليقول: إن موظفنا لا يعمل سوى نصف ساعة من أصل 7 ساعات دوام رسمي…!
للأسف، إن التعاطي مع ملف تحسين معيشة المواطن، يُشكل إدانة واضحة للقائمين عليه بل فضيحة لنمط العمل الرسمي الذي لم يشهده الشارع السوري خلال سنوات ما قبل 2016، وإن ما دار مؤخراً من أحاديث وتصريحات عن سيناريوهات لرفع معدلات الرواتب كانت كمن يختبئ وراء إصبعه، لأن هذا الملف بالذات يواجه عناداً غير مسبوق، وإذا كانت الملفات المحلية التي تُعنى بالمواطن لا تلقى الاهتمام الكافي على عكس بعض المشاريع التي تم تبنيها من المعنيين في زمان ليس بزمانها، فكيف لذلك الفريق المعني أن يقنع الشارع بأدائه وهو غير ملتزم بوعوده التي قطعها على نفسه منذ تسلمه إدارة الشؤون المعيشية للناس ومازال يدرس تحسينه.
إن وضع الملفات التي تهم المواطن في الأدراج وإدارتها مزاجياً يلغي أي مجال للحديث عن الإصلاح المعيشي، ولا يقنع المواطنين إطلاق الوعود مادامت بعض العهود، كتخفيض الأسعار على سبيل المثال، لم تطبق حتى اليوم، فكيف لنا أن نصدق؟!