لست وحدك من يفكر في إعداد استراتيجيات جديدة لتأييد صناعة الثقافة؟ فالثقافة كأي منتج مهم تحتاج كسب التعاطف وصناعة قرار وتغيير السلوك لدى المستهدفين (أصحاب القرار والمنتجين والنخبة ودور النشر والمراكز الثقافية والشباب والعامة..) وهذا يتطلب استراتيجيات وخططاً نوعية ولا يأتي مصادفة! واستهداف السلوك الثقافي عبر التأثير على الأفكار لا يكتفي بالصعيد الحكومي والمؤسساتي بل يحتاج أيضاً لفتح مسارات على صعيد الأسرة ! فالمستلزمات المعيشية لا تقتصر على تأمين الخبز والدواء والكتاب المدرسي وهي أولويات لا بد من تمويل صغير لنشر الثقافة في البيت من خلال الدوريات الإعلامية أو المشاركة في الفعاليات الثقافية والفنية, وإذا كانت الأسرة حريصة على التنوير والمعرفة فإن التخطيط يأتي لتمويل المشاركة في معارض الكتب السنوية. بعض من هذه الأفكار المطلوب بحثها بعمق لفت إليها الدكتور خلف المفتاح خلال ندوة لفرع دمشق لاتحاد الكتاب عبر عنوان لافت يقول «المؤسسات الثقافية فوضى التخطيط، أم ضبابية الرؤية ؟»
شارك فيها كل من الدكتور ثائر زين الدين- المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب، والزميل ديب علي حسن-أمين تحرير الشؤون الثقافية في صحيفة الثورة، والأستاذ الأرقم الزعبي-عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتّاب العرب، وأدارها الأستاذ محمد الحوراني رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب؛ وذلك بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي والإعلاميين. كان اللافت في طرح الدكتور المفتاح دعوته لوضع الخطط الثقافية من النقطة التي وصلت إليها وليس العودة الى نقطة الصفر وإنما المتابعة من حيث انتهينا عبر تفعيل الأهداف التي أحدثت بموجبها المؤسسات والوزارات الثقافية كمحور وخطوة أولى ولاسيما أن المناخ الثقافي يشهد تعدد اتجاهات النقاش الخطابي, وقد يحتاج الأمر لتعديل بعض الخطط من أجل التفاعل مع النقاط المشتركة, وربما صار الوقت متاحاً لإنشاء وتشكيل مجلس أعلى للثقافة والتربية والإعلام ونقابات الفنانين المتعددة لصياغة استراتيجيات منسجمة مع بعضها البعض.
ورغم كل المفردات الجديدة للثقافة تبقى المدرسة هي الهيكل الحامل للثقافة أضف الى ذلك التركيز على التربية والمنهاج المدرسي في إطار مجتمع منسجم ثقافياً وتربوياً واختيار الكتب التي تعزز التفاعل الايجابي والتناغم وقبول التعدد والاختلاف. وقد يكون الإجراء السريع من الهيئات الثقافية
محاولة مهمة لإنقاذ الثقافة الاجتماعية السائدة من دون القطيعة مع الماضي والتعامل مع العصر بمفرداته مع الحفاظ على الهوية والخطاب الوطني.