ربما كانت الرقابة في نظر الكثيرين أشبه بغربال تتسرب منه الأشياء برغم ضبطها كثيراً من الحالات التي تخالف السلامة والمواصفات الصحية، أي إن الأشياء الكبيرة لا تستطيع أن تسقط من الغربال، بينما هناك الكثير الذي يمر ويعبر عبرها لأنه يجد مخرجاً أو وسيلة للتحايل على الأنظمة والقرارات وحتى العقوبات.
وقد شدّني هول ما وصلت إليه تجارة الجشع والطمع وجمع الأموال كيفما اتفق، وما تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل مؤخراً بشأن ضبط مديرية التموين معمل «مرتديلا» يقوم صاحبه باستخدام اللحوم الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك البشري و.. و… أمر يستدعي الوقوف عنده!!
الخبر كغيره من الأخبار مرّ بسلام وأمان على الجهات الرقابية، فالضبط إنجاز تشكر عليه الجهات الوصائية، لكن هل يُعقل أن ينتهي الخبر من دون أن يذكر الماركة أو اسم المعمل أو عنوانه، ويتم الاكتفاء بحجز المادة وإتلافها وتشميع المعمل بالشمع الأحمر، وفتح تحقيق لا ينتهي وغرامة «ترضية» مع الالتزام بعدم كشف اسم المطعم أو المورد أو المصنع، ما يجعلنا ندور في حلقات مفرغة من الضبط والتحقيق.
إنه التقليد الأعوج والمزمن.. على مبدأ «المشكلة بنا والداء لنا»! فما حدث لا يقلّ خسّة ودناءة عن العمل الإجرامي، لأن الغشّ في الغذاء خط أحمر لا يمكن السكوت عليه، ولاسيما بعد أن خلع بعض التجّار رداء المبادئ وأصبحنا أمام عصابات -حدِّث ولا حرج- محترفة تتاجر بغذائنا وسط غياب الرقابة والحرص على المكسب فقط.
لذلك نهيب بالجهات الوصائية ألا تتواني عن كشف المستور وكتابة اسم المنتج وصاحبه، وتكبيده ملايين الليرات وإرغامه على كتابة تعهد بعدم العودة لذلك لأن صحة الإنسان فوق كل اعتبار.
والجميع يعلم أن العبرة ليست في إصدار الأنظمة والضوابط والقرارات وسلسلة من التوصيفات الإجرائية التي لا يقرؤها أولئك الذين يحصلون على التراخيص وتصاريح العمل، أو يقرؤونها ويتربصون بها لكي يخترقوها أو يتجاوزوها في غفلة من الرقابة.. العبرة في الالتزام بها والتقيد أخلاقياً أولاً وقانونياً ثانياً.
كل ذلك يستدعي من الجهات المعنية التعامل بحزم أكثر، وتفعيل دور المؤسسات والأجهزة المتخصصة وإعادة النظر في آلياتها التنفيذية، والسعي جدياً لخلق ثقافة جديدة، ثقافة الإصلاح مكان ثقافة الفساد.. حتى لا يبقى ما خفي أعظم..!!
hanaghanem@hotmail.com