الألعاب عندما تصير حلاً..

تمكّن علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة من استثمار مصطلح (الألعاب) وحرفه عن تعريفه السائد، ألا وهو التسالي، لتصير الألعاب «نظرية» ونتاجاً جوهرياً في علم الرياضيات، فنظرية الألعاب «وسيلة من وسائل التحليل الرياضي لحالات تضارب المصالح والوصول من خلال فرضياتها لأفضل الخيارات الممكنة، واتخاذ القرار في ظل ظروف مُعطاة من أجل الحصول في النهاية على النتائج المرغوبة».. كلام عميق، وتعريف بليغ، خاصة إذا ما كان مصدره كلمة (ألعاب)!.
في ظل الظروف الراهنة، التي استطعنا فيها تحقيق (الاستثنائية) في قدرتنا على تخطي المخطط الإجرامي الذي طال سورية الوطن، لابدّ من أن نماثله داخلياً، وكان ذلك حين ثابرت مؤسساتنا الحكومية على فعل الصمود والعمل والإنتاجية في زمن الحرب، لكنّ ما نطمح إليه أيضاً تحقيق الاستثنائية.
وفي نظرة عامة إلى المشروعات التنفيذية والخطط المؤسساتية شاقولياً وأفقياً في مؤسساتنا الخدمية، وبالرجوع إلى فكرة الألعاب وإمكانية تحقيقها كنظرية للحصول في النهاية على نتائج تليق بحجم دولة انتصرت على الإرهاب والمشروعات الغربية، لابدّ بدايةً من دراسة الأولويات على مستوى الخدمات (المؤسسات الأكثر قرباً وأهمية من المواطن- نقاط الضعف ونقاط القوة)، وتحديدها بمعايير وأهداف، لتنعكس آثار المعالجة مباشرةً وسريعاً على مستوى متلقي الخدمة.
أيضاً لابدّ من تفعيل التنمية البشرية، التي وسيلتها وأدواتها التدريب والتأهيل الإداري لتحقيق الكفاءة والكفاية في الأداء والإنتاج.
فالتدريب يعني التطوير، يعني توطين العلم، التقانة، الخبرات، ولا تطوير من دون (مطوّرين)، وكلما ارتفع عدد المدربين ارتفعت جودة المنتَج بغض النظر عن طبيعة ذاك المنتَج (سلعة كان أم إبداعاً..) فاكتساب معلومات جديدة يولّد طاقة أكبر وإحاطة بجميع مكوّنات العمل، أي الحصول على إنتاجية أعلى كماً ونوعاً، والشخص المدَّرب يكون أكثر قدرة على حلّ المشكلات التي تعترض العمل، لذلك كان التدريب المعنى الحقيقي للتغيير نحو الأفضل، ومفتاحه تفعيل مفهوم (الموارد البشرية) التي تُعنى بالتأهيل ومن ثم التدريب والتطوير في كل مؤسسة، ثلاثة عناوين تثمر في النهاية إنتاجية استثنائية.
فإذا كان مفهوم الموارد البشرية يعني إجمالي الفعاليات الإدارية المفضية إلى تكوين واستقدام وتنمية ودافعية وتقويم وصيانة مستقبل الموارد البشرية، فلابد من أن تفعيله سيكون الحلّ لتحقيق الإصلاح الإداري، المشروع الذي أطلقه السيد رئيس الجمهورية ووفق رؤيته، والذي يعدّ قاطرة الجرّ لجميع مشتقات الإصلاح في كل القطاعات الأخرى.
إذاً، هي علاقة تكاملية، اعتمادية، تبادلية أيضاً، أي إن الإصلاح الإداري حتمي لتحقيق الاستثنائية التي نطمح إليها، لذلك يترتب علينا دراسة الإصلاح الإداري كمفهوم، ومن ثم تحديد أولوياتنا في الإصلاح، هل نرغب في تطوير وتحديث أداء الهياكل الإدارية فقط؟ أم نريد إصلاحاً إدارياً يؤهّل المؤسسات للعب دور جديد في عمليات التنمية؟ أم نطمح لتحويلها إلى وسيط يوفر البنية التنظيمية والتشريعية المرنة للنهوض بأداء جميع القطاعات؟
وما يجب ألا ننساه مكافحة الفساد، لأن الفاسدين والمفسدين سيضعون العصي في عجلة التغيير الإصلاحي، على ألا تقتصر هذه المكافحة على محاسبة الشخص الفاسد –رغم أهميتها- فالأهم هو الوقاية والردع.
من كل ما سبق نستنتج أن الإصلاح استراتيجية وليس «تكتيكاً»، والألعاب نظرية رياضية، تطبيقها السليم يفضي إلى حلول جذرية..!

m.albairak@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار