لم يعد خافياً على أحد أهمية سرعة انتشار أي خبر أو معلومة ما, وإذا كانت تهم معيشة المواطن فسرعتها كالنار في الهشيم, فلا السرية تنفع ولا «الترقيع» يجدي نفعاً, بنكران الخبر أو نفيه, أو التخفيف من شدته على حياة العباد..! ويكون القرار بمحل استغراب وحنق عند المتلقي, بحال تضاربت آراء وتأكيدات الجهات الرسمية باختلاف درجة مستوياتها الهرمية..
وهنا مهما كانت السرية متخذة بفصولها كلها من جانب الجهات الحكومية صانعة القرار, فالمعلومات ووسائل نشرها باتت تحدياً على متخذ القرار, أو معد الدراسة حيال مادة, أو شأن ما له ارتدادات اقتصادية ومجتمعية, أو تحركات تطول سعراً أو غلاء, أو نقصاً ..!
والسؤال هنا: كيف تتخذ الجهات الرسمية قراراتها ..؟! هل تتبع الدراسة والتمحيص قبل إخراجها لدائرة الضوء..؟ أم إرسال رسائل و«تمريقات» هنا وهناك لجس النبض..؟ وقد عملت بعض الجهات تصرفات كهذه من قبل, وبعدها أصدرت قرارات إلى حيز التطبيق الفعلي, بعد «بالونات» الاختبار والتجريب على معيشة مواطن تحولت حياته إلى جحيم لا يطاق, في ظل غلاء سعري لا يوصف, وحالة تضخم أكلت الأخضر واليابس, ومصرة بعض الجهات إرسال «بالونات» الاختبار «لتمريق» قرارات لا شك ستكون وبالاً وعبئاً ثقيلاً ..!
فما الآلية التي تضمن اتخاذ قرارات بعيدة عن الاجتهادات الشخصية، قرارات تراعي ظروف الناس قبل بث رسائل تنعكس مباشرة بآثار سلبية – سعراً واحتكاراً وافتعال أزمة -..! كيف نصدر قراراً يضمن إشراك أوسع لأطياف المجتمع يرتقي إلى مستوى أبعد من أن تكون قرارات وليدة اللحظة.. وكيف للجهات أن تكون مبادرة قبل وقوع المشكلة بعيداً عن دوامة ردود الأفعال..؟ «فتمريق» دراسة، إلى سوق يغلي من قلة بعض المواد وأسعار لا تطاق ولم يعد دخل أي مواطن يحملها، أسوأ بكثير من قرار صدر وانتهى .. !!
بصراحة نسأل: لماذا لم تستفد جهاتنا المعنية من مخزونها الاستشاري وتلك المهارات الوطنية العاملة, ومن العقل الجمعي لتوسيع دائرة النقاش والدراسة قبل إرسال رسائل لم تعد مقنعة, بل كارثية..! لم تصل دوائر صنع القرار بعد إلى تلك المنظومة المعلوماتية التحليلية, التي توفر لمتخذ القرار كل الآراء المدعمة بالحقائق والسيناريوهات للحلول الممكنة, تقدمها بالشكل والطريقة اللائقتين..