حتّى وإن «غرّد» ترامب

ترامب يعلن، ترامب يدعو، ترامب يقيل.. ومنصته حسابه الشخصي على «تويتر»، وبالفعل هو حساب شخصي مقولب حسب المصالح الأمريكية ذات الهوى الإسرائيلي، وقبل «التغريدة» الأخيرة اللامسؤولة من ترامب بحق الجولان السوري المحتل كان الاجتماع الأول لـ«نتن ياهو» في البيت الأبيض مع ترامب في شباط 2017، الذي طرح فيه «الأول» مسألة الجولان ليتركها في أروقة البيت الأبيض للمناقشة تحت مسوّغات وذرائع واهية، بينما يصرّح «وزير الأمن» الإسرائيلي «كاتس» في الأربعاء الأخير من شهر أيار 2018 بأن («إسرائيل» تضغط على إدارة ترامب للاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان، متوقعاً موافقة الولايات المتحدة على ذلك في بضعة شهور قد تزيد أو تنقص قليلاً).
وقد جاهر «كاتس» بأن الاقتراح الإسرائيلي يتصدّر جدول الأعمال في المحادثات الدبلوماسية مع واشنطن، مباحثات ولقاءات ومساومات تمخّضت عن «تغريدة» لرئيس الولايات المتحدة، وقبلها كان النفاق السياسي في أوجه حين استهدف مجلس حقوق الإنسان سورية بقرارات متحيّزة بعيدة كل البعد عن دور المجلس الحقوقي أصلاً.
وللتذكير فإنه في عام 1948 احتل الصهاينة فلسطين، ثم احتل الكيان الصهيوني الجولان عام 1967، وحسب خرائط حديثة للإسرائيلي «موردخاي فريدمان» يظهر مدى التهديد الاستراتيجي المحتمل على الكيان الصهيوني والمتمثل بالجولان السوري.
بينما المنظر الإقليمي لخريطة ثانية لـ«موردخاي» يعكس أن «إسرائيل» تتعرّض للخطر على بعد دقيقتين ونصف الدقيقة من بيروت، ودقيقة ونصف الدقيقة من سورية، ودقيقة ونصف الدقيقة من معان، وخمس دقائق ونصف الدقيقة من تبوك، لكن الكيان الصهيوني لا يعير اهتماماً لأي من الدقائق سابقة الذكر، باستثناء الدقيقة ونصف الدقيقة السوريّة، هذا أولاً، أما ثانياً فهو أمن المستوطنات، وهو ما يشغل بال الحكومات الإسرائيلية، وما يعدّ أحد أهم مقوّمات عقيدة (الأمن المطلق)، أما ثالثاً فإن محدِّدات الصراع العربي- الإسرائيلي، وحسب العقل الصهيوني، هي محدِّدات أيديولوجية وعقائدية، ومحددات مادية تشمل جملة من الشروط لبقاء «إسرائيل» وهي: الاستيطان والأرض- اللاجئون- القدس- المياه.. وهذه المحدِّدات هي جملة عوامل تتحكم بدرجة حدة الصراع واحتمالاته المستقبلية.
ترامب «صنع التاريخ»، حسب تصريح «النتن ياهو»، المنتشي بإعلانات ترامب المتتابعة، فقد كانت القدس الهدية الأولى، واليوم، وبينما يلعب ترامب بالنار من خلال تغريدة (إعلان جولاني) يرى بومبيو في تعليق له: (أعتقد أن الرب أرسل ترامب لحماية «إسرائيل»)!.
وأياً كانت ذرائعهم، وأياً كان اسم رئيسهم، فإن تحرّكات الإدارة الأمريكية الحمقاء والمتغطرسة ستحاكي المأمول من طموحات الكيان الصهيوني الاستراتيجية بأغراض سياسية وأمنية، من خلال تهويد المناطق العربية والاجتهاد للربط بين الاستيطان والأمن، ورفع شعار «لا لتوقيف الاستيطان»، شعار حكومة الليكود، التي أوصلت الصراع العربي- الإسرائيلي إلى ذروته، ليشدّ ترامب من أزر الكيان المغتصب على حساب السلطة الفلسطينية الشرعية، وليعلن مخالفاً القوانين الدولية، وتمريراً لما تخطط له الإدارة الأمريكية ما يسميه «صفقة القرن».
واليوم، «تغريدة» إعلانية أخرى بعد سلسلة إخفاقات أصابت أمريكا في العراق وسورية جعلها تعيش حالة هستيرية تنضح بأن أمن «إسرائيل»، واستقرار المنطقة يلزمهما «ضمّ» الجولان السوري المحتل، الذي يطلق عليه الإسرائيليون اسم الجولان النافع لخريطة الكيان المحتل، نظراً لثروته المائية التي تغطي ما يزيد على ثلث الإمدادات المائية للكيان المحتل.
الإدارة الأمريكية التي لا تمتلك أي حقّ أو ولاية في أن تقرر مصير الجولان السوري المحتل، يجب أن تعي هي ومن يحرضها على ارتكاب الانتهاكات اللاقانونية واللاشرعية بحق دولة ذات سيادة، أن من حق تلك الدولة استعادة أرضها المحتلة، وستفعل سلماً أو حرباً.
هي «تغريدة» بحبال صوتية واهية لن تحتاج أكثر من دقيقة ونصف الدقيقة ليسمعوا صداها…

m.albairak@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار